الله أكبر ولله الحمد

هذه المدونة تعبر عن رأي محررها فقط

الله أكبر ولله الحمد

الأربعاء، 27 مايو 2009

بداية الانهيار1

الاقتصاد "الإسرائيلي" بين مطرقة الأزمة العالمية

وسندان الحرب على غزة

يستذكر كثير من رجال الاقتصاد الإسرائيليين الشعور الغامر بالفرح الذي لف الإسرائيليين عشية الحرب الأمريكية على العراق نتيجة لما اسماه الاقتصاديون الإسرائيليون في ذلك الوقت بالتوقعات المتوهجة، التي ستأتي عن احتلال العراق بالنسبة لإسرائيل.

كما يستذكرون الحراك الاقتصادي الطفيف الذي كسر الجمود مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ولكن هذه التوقعات وهذا الحراك تبخرا في ضوء المأزق العميق الذي وصلت إليه السياسات الإسرائيلية والورطة الإستراتيجية التي تعيشها إسرائيل اليوم بعد انتصار المقاومة الفلسطينية وصمودها الذي قالت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت : "إن كل الأحداث الحالية تؤكد انتصار حركة حماس و إسرائيل الخاسرة يجب أن تحني رأسها لحماس ويجب أن يتوقف المسؤولون الإسرائيليون عن لعب دور الأبطال على حساب الإسرائيليين" .

وأصبح تأثير ذلك الانتصار يطول معظم جوانب الحياة في الكيان الإسرائيلي فأكثر ما يخشاه الإسرائيليون أن تمتد ساحة المقاومة لتشكل بيئة إستراتيجية تحيط بكيانهم والأهم من ذلك كله الأزمة الطاحنة التي لفت الاقتصاد العالمي وألقت بظلالٍ كثيفة ليس على الاقتصاد الإسرائيلي, بحكم ارتباطه العضوي بالاقتصاد الأمريكي فحسب وإنما على الأمن والتجارة والصناعة والزراعة وعلى مناحي الواقع السياسي و الاجتماعي والاقتصادي كافة, إلى جانب الأزمة المائية وتدهور الزراعة, وتعاظم المخاوف لدى الدوائر الاقتصادية الإسرائيلية من احتمالات التباطؤ الاقتصادي, كل ذلك وجد تعبيراته في هروب المستثمرين الأجانب والتراجع الكبير في بورصة تل أبيب, وفي الصناعات العسكرية والتقنية المتطورة.‏

ويشدد خبراء اقتصاديون على أن إسرائيل تعيش اليوم مرحلة طوارئ اقتصادية، وأن حرب غزة كانت السبب الرئيسي في هذه الأزمة ومن المعلوم أن التقديرات الأولية أشارت إلى أن تكلفة الحرب هذه لم تقل عن مليارين ونصف مليار من الدولارات.

كما وترافقت الحرب مع تراجع واردات الخزينة الإسرائيلية من الضرائب بنسبة تصل إلى 20 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي.

ومع بداية العام الحالي بدأت إسرائيل تعاني من معالم الركود الاقتصادي الحاد وكانت البطالة بين أبرز هذه المعالم حيث سجل شهر كانون الثاني رقماً قياسياً في المطرودين من أعمالهم، وبلغ حوالي عشرين ألف موظف.

وكانت إسرائيل تتباهى في السنوات الأخيرة بتراجع البطالة التي بلغت حوالي 6 % ولم تزد عن 190 ألفاً.

وكما هو واضح، فإن هذا الوضع تغير وبدأت البطالة في التزايد خلال الشهور العشرة الأخيرة. وأعلن رئيس "الهستدروت" "عوفر عيني" أنه «قبل عام، حذرنا من الأزمة المرتقبة وللأسف فإنها باتت أمامنا، والحكومة المنصرفة لم تفلح في التوصل إلى تفاهم بين أرباب العمل و"الهستدروت" لمعالجة الأمر بشكل أفضل، ولا ريب في أن الحكومة الجديدة ستضطر لإدارة معركة احتواء للأزمة».

وقد بينت مؤسسة خدمات التشغيل في إسرائيل من خلال تقرير نشرته: إنه "تم فصل 19.719 عاملاً من أماكن عملهم في "إسرائيل" خلال يناير 2009".
وبحسب التقرير، فإن هذا العدد يعتبر الأكبر منذ قيام إسرائيل
ويشكل هذا العدد استمراراً لعدد المقالين في الشهور الثلاثة الماضية، والذي بلغ 54 ألفاً، ما جعل عدد العاطلين عن العمل اليوم يزيد عن 215 ألفاً.

وتشير صحيفة هاآرتس التي نشرت تقرير مؤسسة خدمات التشغيل إلى أنه في العشرة أشهر الأخيرة طرأ ارتفاع متراكم في ظاهرة البطالة بنسبة 12.9%.


ويتوقع "
دافيد تسرفاتي" رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة خدمات التشغيل أن يتجاوز عدد العاطلين عن العمل 260 ألف عاطل بحلول نهاية العام الجاري 2009. مشيرًا إلى أن "هذه معطيات فعلاً مقلقلة للغاية".

وقالت المؤسسة: "نحن بحاجة إلى وقت حتى نستطيع فحص كل طلبات العمل، في الوقت الذي لا تحرك وزارة الاقتصاد أو الرفاه ساكنًا".

وتجدر الإشارة إلى أن الأرقام الواردة عن طالبي العمل تختلف بعض الشيء عن أرقام العاطلين الفعلية. ومع ذلك، فإن مكاتب العمل في بلدات غلاف غزة لم تفتح أبوابها طوال حرب غزة، مما يشير إلى نقص في المعلومات بشأن تلك المناطق وهو ما يعني أن رقم طالبي العمل قد يكون أكبر من المعلن.

وفي السياق نفسه قالت صحيفة هآرتس إن بنك إسرائيل أعلن أن النمو الاقتصادي سيكون هذا العام سلبياً، والبطالة ستزداد، وفروع التصدير ستتعرض لضربة قاسية. كما حمل البنك خلال عرضه خطته لمعالجة الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها إسرائيل، الولايات المتحدة مسؤولية هذه الأزمة، وذلك لأن اقتصاد إسرائيل يقوم على أساس التصدير الذي تبلغ قيمته نصف الإنتاج القومي تقريباً.

ورداً على خطة بنك إسرائيل لمعالجة الأزمة الاقتصادية قالت مصادر اقتصادية إسرائيلية لمجلة "عسكيم" الاقتصادية: إن خطوات محافظ البنك الإسرائيلي ليست أكثر من دواء تسكين مؤقت, وإن هذه الأزمة ليست مجرد أزمة راهنة.

ووفقاً لتقرير ورد في صحيفة يديعوت أحرنوت فقد أفاد بنك إسرائيل بأنه "ليس من المتوقع أن يكون هناك توسيع في نطاق الاقتصاد الإسرائيلي و القطاعين اللذين سيسوقان الاقتصاد الإسرائيلي للأسفل هما التصديرات التي ستقل بنسبة 2.4% (لا يشمل المجوهرات) والاستثمارات التي ستقل بنسبة 6%، ويتوقع بنك إسرائيل تجميد في سوق العمل، فلن تزداد أماكن العمل، وسترتفع نسبة البطالة من 6% اليوم إلى 7.5% خلال عام 2009".

وبهذا أشِارت صحيفة يديعوت إلى أن الأشهر القادمة ستكون من أصعب الشهور الاقتصادية على إسرائيل وأكثرها إيلاما.

كما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت في سياق حديثها عن الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية بأن هذه الأزمة تتفاقم ففي مدينة كريات شمونا - على سبيل المثال- المصانع تغلق أبوابها الواحد تلو الأخر, والوضع ميئوس منه حيث لا يوجد أمل ولا عمل, ولا يوجد حتى مكان أخر يمكن الذهاب إليه.

وتضيف الصحيفة أن المصانع التي لا تغلق أبوابها, لا تجد مناص من إقالة عشرات العمال, فهناك تسجل العديد من حالات الإقالة لعمال من مصانعهم, ليصبحوا بلا مصدر رزق.

وتشير الصحيفة أنه مع بداية الأزمة الاقتصادية وبعد الحرب على غزة تم فصل أكثر من 700 عامل في مدينة كريات شمونا حتى الآن وهم على النحو الآتي :

"450" عامل أقيلوا من مصنع "قيبور سبورت".

"70" عامل أقيلوا من مصنع "ريموني فلست".

"70" عامل أقيلوا من مصنع "أطمور".

"19" عامل أقيلوا من صنع "حتيت تكسيل".

"50" عامل أقيلوا من مصنع "جيلون تكستيل".

"3" عمال أقيلوا من مصنع "مائير زقوري".

"10" عمال أقيلوا من شركة الحراسة للجليل الأعلى.

"3" عمال أقيلوا من شركة "الإخوة ساينة".

"50" عامل أقيلوا من مصانع "أوفتيكا شمير".

وقالت يديعوت نقلاً عن أحد العمال المفصولين إن عدد العمال الذين سيفقدون عملهم في كريات شمونا سيصل إلى أكثر من 1500 عامل، وأضاف العامل المفصول" لقد فقدت عملي ولقد خرب بيتي" وذلك بعد عمل دام 37 عام في مصنع "تكتستيل".

وعلَّق عامل آخر مفصول من العمل منذ ثلاثة أشهر بالقول" لغاية الآن لم أجد مكان للعمل، ماذا تريدون مني أن أذهب للتسول، أنا الآن أعاني من أمراض نفسية وعصبية وأشعر باليأس والإحباط من الدولة ومن كل المسؤولين لأنهم لم يفعلوا لنا شيئاَ".

وتضيف الصحيفة نقلاً عن أحد العمال المفصولين"إن عمليات الفصل عن العمل والبطالة التي ازدادت شعر بها من يعملون في أماكن توزيع المساعدات على المحتاجين، فنجد الآن طوابير كبيرة لم نكن نلاحظها في السابق".

يُذكر أنه ومنذ موجة الإقالات الأخيرة التي بدأت منذ ثلاثة أشهر ومراكز العلاج النفسي في البلديات وخاصة في منطقة الشمال تشهد إقبالاً كبيراً، فكل يوم تتلقى مراكز العلاج النفسي العديد من المكالمات التي تطلب المساعدة بسبب المعاناة النفسية التي يمر بها العاطلون عن العمل.

كما و كشفت صحيفة هآرتس العبرية أن الصناعات الجوية الإسرائيلية ستُقيل في أقرب وقت حوالي 200 عامل من لواء الصيانة للطائرات المدنية.

وبذلك ومع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي نتجت عن الحرب على قطاع غزة ومع الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى موجة من إغلاق المصانع والإقالات التعسفية أمسى العمال الإسرائيليون إما متسولين أو مرضى نفسيين وبدأ الاقتصاد الإسرائيلي الهش بالانكماش على نفسه على طريق الانهيار.

بقلم سيف عمر

تقرير حال القدس

تقرير حال القدس خلال الفترة من كانون الثاني/يناير وحتى آذار/مارس 2009

تُصدره إدارة الإعلام والمعلومات في مؤسسة القدس الدوليّة


تقرير حال القدس خلال الفترة من
كانون الثاني / يناير وحتى آذار / مارس 2009


أهداف التقرير:

1. تقديم معلومة دقيقة عن حال القدس
2. محاولة استشراف المرحلة القادمة
3. تمكين أصحاب القرار والمواقع والمواقف المؤثرة من تحديد مواقفهم واتخاذ الإجراءات العملية المناسبة


محتويات التقرير ومنهجيته:

أوّلاً: تطوّر المواجهة في القدس:
1. تطوّر المواجهة في المجال الدينيّ والثقافيّ

 المسار الأوّل: خلق مدينة يهوديّة مقدّسة موازية للبلدة القديمة بمقدساتها الإسلامية
والمسيحية
 المسار الثاني: تحقيق وجود يهوديّ دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه
 المسار الثالث: تفريغ الأحياء الفلسطينيّة المحيطة بالمسجد الأقصى من سكّانها

2. تطوّر المواجهة في المجال الديمغرافيّ

 المسار الأوّل: تكثيف الاستيطان
 المسار الثاني: الجدار العازل
 المسار الثالث: تهجير السكّان الفلسطينيّين

ثانياً: واقع المؤسّسات العاملة في القدس:
‌أ. الاتحاد الأوروبي وكندا
‌ب. الولايات المتحدّة الأمريكيّة
‌ج. بلديّة الاحتلال في القدس
‌د. الجهات العربيّة والإسلاميّة
 بنك التنمية الإسلاميّ
 وكالة بيت مال القدس
 تركيّا



تقرير حال القدس خلال الفترة من
كانون الثاني / يناير وحتى آذار / مارس 2009


أوّلاً: تطوّر المواجهة في القدس:

1. تطوّر المواجهة في المجال الدينيّ والثقافيّ:

يسعى المحتلّ اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى لحسم هويّة مدينة القدس الدينيّة والثقافيّة، كـ"عاصمةٍ مقدّسةٍ للشعب اليهوديّ"، وذلك كجزءٍ من مشروعه لفرض حدود دولته النهائيّة وتثبيتها من طرفٍ واحد، والذي بدأه رئيس وزراء الاحتلال السابق أريئيل شارون مع بداية هذا القرن، ولعلّ حسم مصير القدس هو الفكرة الوحيدة التي بقيت من ذلك المشروع، بعد حربي لبنان وغزّة.


وتحويل مدينة القدس إلى "عاصمةٍ يهوديّة" يعني بطبيعة الحال تهويد قلبها المتمثّل بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، واستبدال معالمه ومقدساته الإسلاميّة والمسيحيّة، بمعالم ومقدّساتٍ يهوديّة، والمحتلّ يعمل على تحقيق ذلك اليوم من خلال مسارات عملٍ 4 هي:

المسار الأوّل: خلق مدينة يهوديّة مقدّسة موازية للبلدة القديمة بمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومشتركةٍ معها في المركز ذاته:

وتمتدّ هذه المدينة أسفل المسجد الأقصى وفي ضاحية سلوان وأجزاءٍ من الحيّ الإسلاميّ وحارة الشرف "الحيّ اليهوديّ" في البلدة القديمة، وترتبط بمجموعةٍ من الحدائق والمنتزهات والمتاحف والمواقع الأثريّة المقامة فوق الأرض في محيط البلدة القديمة، وخصوصاً في جنوبها حيث ضاحية سلوان وفي شرقها حيث جبل الزيتون وضاحية الطور، وتُطلق دولة الاحتلال على مشروع إنشاء المدينة اليهوديّة هذه اسم "مشروع تأهيل الحوض المقدّس" (الخريطة رقم 3)، ويعمل في هذا المشروع عدد كبير من الهيئات الحكوميّة والجمعيّات الاستيطانيّة أبرزها؛ سلطة الآثار، وجمعيّة "الحفاظ على تراث الحائط الغربي"، ومؤسسة "مدينة داوود"، وجمعيّة "أمناء الهيكل"، وجمعيّة "العاد"، وجمعيّة "عطيرت كوهينيم"، وشركة "تطوير الحيّ اليهوديّ".

الخريطة رقم 3

وقد قطع المحتلّ شوطاً كبيراً في إنشاء هذه المدينة حتى الآن فقد افتتح بالفعل 11 موقعاً أمام الزوّار ولا زالت عمليّات البناء والحفر مستمرّة في أكثر من 11 موقعاً آخر (الخريطة رقم 5). وخلال الشهور الثلاثة الماضية كان العمل في هذه المدينة يسير بوتيرةٍ سريعة، ففي 1 شباط / فبراير كشف انهيار صفٍّ مدرسيّ في مدرسة القدس الأساسيّة عن وصول الحفريّات إلى شمال ضاحية سلوان على بعد 100 متر فقط من السور الجنوبيّ للمسجد الأقصى، وفي 5 شباط / فبراير كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن حفر نفقٍ جديد محاذٍ لمسجد عين سلوان من الجهة الغربيّة يسير أسفل الطريق الذي يصل سلوان بباب المغاربة. إضافةً إلى ذلك فإنّ عدداً كبيراً من سكّان حيّ وادي الحلوة (وهو أقرب أحياء سلوان للمسجد الأقصى) تحدثوا عن سماعهم لأصوات حفريّات أسفل منازلهم طوال الليل والنهار وفي أكثر من منطقة من الحيّ.

الخريطة رقم 5


وفي بداية شهر آذار أعلنت شركة "تطوير الحيّ اليهوديّ" عن البدء ببناء سيرٍ متحرّك تحت الأرض يصل حارة الشرف "الحيّ اليهوديّ" بساحة البراق بهدف "المساعدة في تخفيف الازدحام في الطرقات الضيّقة، للحيّ وتمكين المجموعات الكبيرة من الوصول للساحة بسهولة أكبر" وذلك بحسب أقوال الشركة.

بعدها بأيّام كشفت وسائل الإعلام في دولة الاحتلال عن إقرار الحكومة لمخطط تبلغ قيمته حوالي 145 مليون دولار (600 مليون شيكل) "لإعادة إعمار أبواب البلدة القديمة وأهمّ مواقعها الأثريّة"، وسيتضمّن هذا المشروع تغيير الطراز المعماريّ للأبواب والمواقع المستهدفة حتى يُصبح أقرب للتخيّل اليهوديّ منه إلى الطراز الإسلاميّ.

على أنّ التطوّر الأخطر في هذا الإطار كان تسليم سلطات الاحتلال إنذارات بالإخلاء لحوالي 1900 مقدسيّ يسكنون في 120 عقاراً في حيّي البستان والعباسيّة جنوب ضاحية سلوان، وذلك تمهيداً لهدم منازلهم وتحويل أحيائهم إلى "حديقة الملك الداوود" التي تُشكلّ أحد أجزاء المدينة اليهوديّة المقدسة كما يتخيّلها الاحتلال. (الخريطة رقم 2،1)


الخريطة رقم 1

الخريطة رقم 2


المسار الثاني: تحقيق وجود يهوديّ دائم ومباشر في المسجد الأقصى ومحيطه:

وذلك من خلال الاقتحامات المتكرّرة لمجموعات المتطرّفين والتي تهدف إلى "تثبيت حقّ اليهود بالصلاة في جبل الهيكل"، وإلى نزع صفة "الحصريّة الإسلاميّة" عن المسجد وتحويله إلى منطقة مفتوحة أمام اليهود والسيّاح، وبذلك يكون المسجد وإن بقيت أبنيته قائمةً أشبه بالمتحف منه بالمسجد الإسلاميّ، وأيضاً من خلال الكنس المقامة على أسوار المسجد (ككنيس المدرسة التنكزيّة)، وأسفل منه (كقنطرة ويلسون)، وفي محيطه (ككنيسيّ خيمة إسحاق وكنيس هوفير)، والتي تُسهّل عمليّات اقتحام المسجد وتوّفر غطاءً لأعمال الحفريّات، وتضفي أيضاً الطابع اليهوديّ على البلدة القديمة، خصوصاُ وأنّ اثنين من هذه الكنس سيكونان من أكبر الأبنية الموجودة في البلدة وسيغطّيان مشهد المسجد القبليّ وقبّة الصخرة من الجهة الغربيّة.

وقد شهد هذا المسار نشاطاً ملحوظاً خلال الشهور الثلاثة الماضية ففي 9 شباط / فبراير افتتحت جمعيّة "عطيرت كوهينيم" الاستيطانيّة كنيس "خيمة إسحاق" الذي يقع على بعد 50 متراً غرب باب السلسلة، وصادر أعضاؤها أرضاً مقابلةً للكنيس تبلغ مساحتها 70 متراً وذلك بحماية ومساعدة شرطة الاحتلال. وفي 13 شباط / فبراير أعلنت جمعيّة "أمناء الهيكل" عن عزمها تثبيت كاميرا للفيديو على أحد أبنية "الحيّ اليهوديّ" لنقل صلاة اليهود في المسجد الأقصى بشكلٍ مباشر عبر الإنترنت وذلك "لتشجيع اليهود المتردّدين على القدوم للصلاة".

وفي 20 شباط / فبراير أوقف حرّاس المسجد الأقصى مستوطناً يهوديّاً مسلّحاً كان يُحاول دخول المسجد الأقصى بسلاحه، كما أفشل حرّاس المسجد والمصلّون المرابطون فيه 3 محاولاتٍ للمتطرّفين لأداء طقوسٍ توراتيّة في المسجد الأقصى وذلك في 11 و 26 شباط/فبراير و9 آذار/مارس.

وفي 10 آذار / مارس بدأت سلطات الاحتلال الإعداد لافتتاح مركزٍ للشرطة تبلغ مساحته 140 متراً في أحد الأبنية الملاصقة للمسجد الأقصى من الجهة الغربيّة قرب حائط البراق، وذلك لتأمين وحماية السيّاح والمستوطنين اليهود الذين يدخلون للمسجد الأقصى يوميّاً.

المسار الثالث: تفريغ الأحياء الفلسطينيّة المحيطة بالمسجد الأقصى من سكّانها، والحدّ من قدرة الفلسطينيّين على الوصول إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة:

ويسعى الاحتلال إلى تحقيق ذلك من خلال منع البناء في الأحياء المحيطة بالبلدة القديمة، وهدم المباني القائمة فيها بحجّة أنّها مقامة دون ترخيص على أراض عامّة، وأيضاً من خلال تشديد الإجراءات الأمنيّة في البلدة القديمة ومحيطها حتى على المصلّين الآتين من الأراضي المحتلّة عام 1948.

وقد شهدت الشهور الثلاثة التي يُغطيها التقرير أكبر مخطط للتهجير الجماعيّ منذ احتلال القدس عام 1967، وسنتحدّث عنه بالتفصيل تحت بند تطوّر المواجهة في المجال الديمغرافي، كما شهدت الفتر السابقة والتي تزامنت مع الحرب على غزّة، إجراءاتٍ أمنيّة غير مسبوقة قلّصت عدد المصلّين في المسجد الأقصى خلال أيّام الجمع إلى ما لا يزيد على 3000 مصلٍّ فقط، حيث كان الاحتلال يفرض طوقاً أمنيّاً على البلدة القديمة ويحيطه بطوقٍ أمنيّ أوسع في محيطها ويمنع كلّ من هو دون الـ50 من الدخول للصلاة في المسجد الأقصى، كما كان يمنع حتى سكّان البلدة القديمة الذين تقلّ أعمارهم عن الـ50 من دخول المسجد، وهي إجراءاتٌ لم يتخذها المحتلّ مسبقاً حتى خلال انتفاضة الأقصى.

المسار الرابع: الترويج لمدينة القدس كمدينة يهوديّة:

وذلك من خلال تنظيم الجولات السياحيّة في المدينة وفق مسارٍ يتجاهل المقدّسات الإسلاميّة، ويُحاول الربط بين الآثار والمقدّسات المسيحيّة والمدينة اليهوديّة التاريخيّة، ويصوّر الوجود الإسلاميّ في المدينة كوجودٍ طارئ ومنفصل عن الوجود المسيحيّ واليهوديّ. وأيضاً من خلال إقامة مهرجانات واحتفالاتٍ بمالناسبات والأعياد اليهوديّة الدينيّة والقوميّة على مدار العام.

وقد أعلن روبن فينسكي مدير قسم تطوير البلدة القديمة في بلدية الاحتلال في القدس في 7 آذار/مارس عن سعي البلديّة لـ"إقامة المهرجانات طوال أيام السنة من أجل وصول السياح، في أوقات مختلفة لا تقتصر على مواسم مفضلة، تمتد خلال شهري تموز وآب والأعياد، وتتضمن المخططات في السنوات القادمة استثمارات بثمانية ملايين شيكل (1,932,000$)، للترويج للمدينة سياحيّاً على مدار العام".


2. تطوّر المواجهة في المجال الديمغرافيّ:
سيطر الهاجس الديمغرافيّ على المحتلّ منذ استيلائه على كامل القدس عام 1967، وهو يُحاول منذ ذلك الحين تحقيق أغلبيّة ديمغرافيّةٍ يهوديّة مريحة في المدينة بوصفها عاصمة الدولة، وقد سنّ في سبيل ذلك عام 1973 قانوناً يُحدّد نسبة الفلسطينيّين في المدينة بـ22%، إلا أنّه لم يتمكّن من تحقيق هذه النسبة أبداً، فاليوم تبلغ نسبة الفلسطينيّين في المدينة 34% ومن المتوقّع أن تصل إلى 40% عام 2020 إلى ذلك بحسب تقديرات المحتلّ نفسه، لذا فإنّ عامل تعديل التوازن الديمغرافيّ يحتل رأس سلّم أولويّات الاحتلال في المدينة، ويُحرّك معظم مخطّطات البلديّة وبخاصّة المخطط الهيكليّ للقدس عام 2020.

ويعمل المحتلّ اليوم على تعديل التوزان الديمغرافيّ من خلال مساراتٍ 3، هي:

المسار الأوّل: تكثيف الاستيطان:

يتركز جهد المحتلّ الاستيطانيّ حاليّاً على المستوطنات الموجودة في مشروع E1 شرق مدينة القدس، ومستوطنتي جبل أبو غنيم (هار حوما) وجيلو جنوب غرب مدينة القدس، والبؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها.

وفيما يتعلّق بمشروع E1 فقد أعلنت سلطات الاحتلال في 1 شباط / فبراير عن الانتهاء من تجهيز البنى التحتيّة للمشروع بالكامل. ما يعني أنّها ستبدأ مرحلة بناء وتجهيز الوحدات السكنيّة خصوصاً في الجهة الغربيّة من المشروع، وذلك لتحقيق تواصلٌ سكّانيّ بينه وبين الجزء الغربيّ من القدس، وما يُعزّز هذه النظريّة بدء الاحتلال بتهجير سكّان حيّ الشيخ جرّاح الذي يفصل مستوطنات غربيّ القدس عن مستوطنات شرقيّ القدس، وإذا ما تحقّق هذا التواصل بشكلٍ فعليّ فإنّ المسجد الأقصى والبلدة القديمة سيصبحان معزولين عن الأحياء الفلسطينيّة في في شمال القدس بشكلٍ كامل. بقي أن نذكر في النهاية أن كتلة أدوميم كاملةً والتي تبلغ مساحتها 61 كلم2 وتضمّ أكثر من 7 مستوطنات، بينها معاليه أدوميم أكبر مستوطنات الاحتلال على الإطلاق، تُعاني من ضعف الإقبال عليها بسبب بعدها عن مركز مدينة القدس التجاريّ وعن بقيّة مدن دولة الاحتلال، وهي مشكلةٌ يسعى الاحتلال لحلّها من خلال إجراءاتٍ عدّة، أبرزها مشروع إسكان الشباب في أقصى غرب مشروع E1 على أراضي قريتي عناتا والعيسويّة والذي يحظى بدعمٍ كبير من رئيس بلديّة الاحتلال الحاليّ اليمينيّ نير بركات. (الخريطة رقم 6)


أمّا مستوطنتي جبل أبو غنيم وجيلو جنوب المدينة فإنّ الاحتلال يُكثّف بناء الوحدات السكنيّة فيهما كونهما الخيار الأكثر قبولاً لدى جمهوره، فهما متصلتان فعليّاً بغربيّ القدس والأكثر قرباً من مركز المدينة التجاريّ، وبالتالي فإنّ البناء فيهما يُعدّ الأكثر جدوى لناحية تعديل الميزان الديمغرافي. لكن الملفت هنا أنّ أحداً في أوروبا أو أميركا أو حتى في العالم العربيّ لم يعد يعترض على البناء في هاتين المستوطنتين، علماً أن قرار حكومة نتنياهو السابقة في عام 1997 بدء البناء في مستوطنة جبل أبو غنيم عُدّ بمثابة رصاصة الرحمة لاتفاقيّة أوسلو، وأدى لإثارة ردود فعلٍ واسعة وصلت إلى مجلس الأمن قبل أن تسحب الولايات المتحدة الموضوع من على طاولة البحث بتهديدها باستخدام الفيتو ضدّ أي قرار يصدر عن المجلس بهذا الشأن.

ويختلف وضع البؤر الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها عن وضع المستوطنات عموماً، فهي تهدف في الأساس لإخلاء الأحياء الفلسطينيّة التي تنتشر فيها، أكثر مما تهدف لإسكان مستوطنين جدد، ذلك أنّ هذه البؤر لا يسكنها أعداد كبيرة من المستوطنين لكن يسكنها أكثر أنواع المستوطنين شراسةً وتطرّفاً ويكون هؤلاء محميّين بالكامل من قبل شرطة الاحتلال التي تُغطّي اعتداءاتهم في البلدة القديمة ومحيطها، وتساندهم بها من وراء حجاب. كما تُشكّل هذه البؤر الاستيطانيّة خلايا نشطة للمساعدة في أعمال الحفريّات أو بناء الكنس. وتتركّز البؤر الاستيطانيّة عموماً في ضاحية سلوان وجنوب الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة وحيّ الشيخ جرّاح ويُقارب عددها الـ50. وخلال الفترة التي يُغطيّها تقريرنا كانت البؤر الاستيطانيّة في حي وادي الحلوة في سلوان الأكثر نشاطاً حيث ساهم سكّانها بشكلٍ فاعلٍ بالحفريّات الجارية هناك، وحاولوا احتلال عدد من العقارات كبناية آل الدويك، كما برزت الاعتداءات الجسديّة العنيفة التي نفّذها المستوطنون في منطة باب السلسلة ضدّ أهالي المنطقة والتي كانت تتكرّر بشكلٍ يوميّ بحماية من شرطة الاحتلال.

المسار الثاني: الجدار الفاصل:

إنّ الهدف الأوّل للجدار في القدس هو ضمّ أكبر مساحةٍ ممكنة من الأرض إلى الحدود البلديّة للمدينة مع طرد أكبر عددٍ ممكن من المقدسيين منها، ولا يسعنا إلا أن نقول أنّ الجدار كان حتى الآن أنجع الوسائل "لتعديل الميزان الديمغرافيّ بالمدينة"، رغم أنّ المقدسيّين حاولوا مواجهته من خلال الانتقال بأعدادٍ كبيرة إلى الأحياء الموجودة داخله. إلا أنّ الجدار ومع اكتمال بناء حوالي 90% منه، تمكّن من عزل أكثر من 154,000 مقدسيّ عن مدينتهم، مع مصادرة أكثر من 163 كلم2 من الأراضي الفلسطينيّة وضمّها إلى حدود القدس البلديّة، علماً أن مساحة الحدود البلديّة لم تكن تتجاوز قبل بناء الجدار 123 كلم2 بشقيها الشرقي والغربي. لتتحوّل مدينة القدس بحسب الحدود البلديّة الجديدة التي فرضها المحتلّ إلى مدينة أخطبوطيّة تمتدّ من جنوب بيت لحم وحتى جنوب رام الله شمالاً، وتمتدّ إلى الشرق حتى تتصل بالمستوطنات في غور الأردن. (الخريطة رقم 4)

الخريطة رقم 4


وخلال الفترة التي يُغطيها التقرير في 3 شباط / فبراير أغلق الاحتلال بوابة ضاحية البريد التي كانت تربط بلدة الرام بالقدس عازلاً بذلك حوالي 60,000 مقدسيّ بشكلٍ تامٍّ عن المدينة، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث حركة نزوحٍ واسعة من البلدة باتجاه مدينة القدس، وبالتالي حدوث أزمةٍ في السكن والعمل لهؤلاء، تزيد من صعوبة أزمة السكن التي تُعاني منها القدس حاليّاً.

المسار الثالث: تهجير السكّان الفلسطينيّين:

رغم أنّ هذه السياسة هي الأكثر قسوةً على السكّان الفلسطينيّين والأكثر إضراراً بهم، إلاّ أنّها أثبتت فشلها في تعديل الميزان الديمغرافيّ للمدينة لصالح الاحتلال، لكنّ المحتلّ يُتابع العمل بها من باب التضييق على المقدسيّين وتصعيب ظروف حياتهم في المدينة. ولأنّ نتائج هذه الطريقة محدودة في معادلة التوازن الديمغرافيّ ولأن تنفيذها أيضاً صعب ويُثير مشاكل سياسيّة، فإنّ المحتلّ لا يلجأ إليها على نطاقٍ واسع إلاّ نادراً.

لكن في الآونة الأخير زاد المحتلّ من وتيرة عمليّات التهجير واسعة النطاق؛ وكان أبرزها تسليم حوالي 1900 مقدسيّاً يسكنون 120 عقاراً في حيّي البستان والعباسيّة في ضاحية سلوان جنوب المسجد الأقصى أوامر لإخلاء منازلهم، وهي عمليّة التهجير الأكبر التي ينوي المحتلّ تنفيذها في القدس منذ هدم حيّ المغاربة عام 1967. والهدف من هذه العمليّة ليس فقط تهجير السكّان المقدسيّين من مدينتهم، وإنّما استكمال تهويد قلب المدينة دينيّاً وثقافيّاً، من خلال بناء جزءٍ هامٍّ من المدينة اليهوديّة التاريخيّة وهو "حدائق الملك داوود"، ومن خلال تفريغه من السكّان الفلسطينيّين. ونعتقد أنّ إقدام الاحتلال على تسليم هذه الإخطارات الجماعيّة جاء في جزءٍ منه لإثبات قدرة وحيويّة المشروع الصهيونيّ بعد نكساته المتلاحقة في لبنان وغزّة. (الخريطة رقم 1،2)

تهجير السكّان في حيّ الشيخ جرّاح الذي يحتوي على 28 عقاراً يأتي أيضاً في إطار مماثل، حيث يسعى الاحتلال للسيطرة على الحيّ ليؤمّن تواصلاً جغرافيّاً مباشراً بين مستوطنات القدس وشمال البلدة القديمة من ناحية، ويؤمّن اتصال معاليه أدوميم أكبر مستوطنات القدس، بالجزء الغربيّ من مدينة القدس من ناحيةٍ أخرى. (الخريطة رقم 6)

إضافةً لعمليّات التهجير الواسعة النطاق هذه، فقد نفّذ المحتلّ أو بدء بتنفيذ عمليّات تهجير أصغر حجماً في مختلف مناطق وأحياء القدس، كعمليّة تهجير سكّان 4 عقاراتٍ في منطقة رأس خميس شمال غرب مخيّم شعفاط، وتهجيرٍ سكّان 19 منزلاً في حيّ الطور، وتهجير سكّان 7 منازل في الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة قرب منطقة برج اللقلق المُلاصقة لسور البلدة القديمة من جهة باب الساهرة، وذلك بهدف السيطرة على أراضي المنطقة التي تصل مساحتها لـ16 دونماً لإقامة بؤرةٍ استيطانيّة فوقها حيث أنّ الاحتلال فشل حتى الآن في تحقيق وجودٍ له في هذه المنطقة. (الخريطة رقم 7)

ثانياً: واقع المؤسّسات العاملة في القدس:
تُعد الجمعيّات والمؤسسات الأهليّة العاملة في القدس الرئة الأهمّ التي يتنفّس من خلالها أهل المدينة، والجهة الفاعلة الأبرز على الساحة الفلسطينيّة، وذلك في ظلّ انحسار أيّ دورٍ لسلطة الفلسطينيّة واعتبارها قضيّة القدس موضوعاً مؤجّلاً لمفاوضات الحلّ النهائيّ وفقاً لاتفاقيّات أوسلو، وفي ظلّ انحسار الدور الأردني أيضاً وحصره بدفع رواتب موظّفي الأوقاف وتمويل مشاريع الإعمار الصغيرة في المسجد الأقصى.

والمجتمع المقدسيّ غنيّ بالجمعيّات والمؤسسّات الأهليّة حيث يبلغ عددها حوالي 154 جمعيّةً ومؤسّسة، تُقدّم خدماتٍ لحوالي 255 ألف مقدسيّ يسكنون داخل الحدود البلديّة، أي أن هناك جمعيّة لكلّ 1,700 مواطنٍ مقدسيّ. لكن ليست كلّ هذه الجمعيّات نشطة، فبعضها نشطٌ جدّاً ويقوم بدورٍ حيويٍّ وأساسيٍّ في القدس، وبعضها تُنفّذ أجنداتٍ خارجيّة يٌمليها المموّلون، وبعضها وهميّةٌ لا هدف لها سوى الحصول على التمويل. وتنشط المؤسّسات والجمعيّات الأهليّة المقدسيّة بشكلٍ رئيس في مجالات التعليم والصحّة ومكافحة الآفات الاجتماعيّة وبدرجةٍ أقلّ في مجال الإسكان والترميم.

ولأنّ هذه الجمعيّات هي الجهة الأقدر على الفعل والتحرّك داخل المدينة، ولأنها تنشط وحيدةً تقريباً، ولأنّها تعتمد بشكلٍ كامل على المنح الخارجيّة وترتبط بها، فإنّ من يُمسك بتمويلها ومصادر دعمها يكون الأقدر على توجيه سياساتها، وبالتالي توجيه السياسات واتجاهات النموّ والتطوّر في الأحياء الفلسطينيّة في القدس. وهي حقيقةٌ تُدركها تقريباً جميع الأطراف الفاعلة في القدس، وإن كان العرب والمسلمون هم آخر من أدرك هذا الواقع، وبدأ يعمل وفق شروطه.

وتنقسم الجهات المموّلة للجمعيّات والمؤسّسات الأهليّة العاملة في القدس إلى 4 جهاتٍ رئيسة، هي:

‌أ. الاتحاد الأوروبي وكندا: يُعدّ الاتحاد الأوروبّي المانح الأكبر في القدس، وتنشط كلٌّ من إيطاليا وإسبانيا واليونان في هذا المجال بشكلٍ خاص حيث تحتوي قنصليّة كلّ من هذه الدول في القدس مكتباً خاصّاً لمتابعة تمويل المشروعات والاتصال بالجمعيّات والمؤسّسات المقدسيّة. ويتركّز تمويل الاتحاد الأوروبيّ على المشاريع المتعلّقة بالرعاية الاجتماعيّة كتحسين وضع المرأة ورعاية الشباب والمراهقين، ومشاريع المساعدة النفسيّة، ومشاريع التوعية السياسيّة والمدنيّة، والمشاريع الثقافيّة، ومشاريع الدعم القانونيّ.

ويرفض الاتحاد تمويل أيّ مشروع قد تنتج عنه مواجهةٌ مع الاحتلال أو صدامٌ معه، فهو مثلاً يرفض تمويل المؤسسات أو مكاتب المحاماة التي ترفع قضايا ضدّ بلديّة الاحتلال، ويُموِّلُ االمؤسسات والعيادات القانونيّة التي تُقدم خدمات قانونيّة استشاريّة فقط، كما يشترط أن تكون مقبولة لدى الاحتلال من النواحي القانونيّة وحتى السياسيّة، ويرفض تمويل المشاريع التي لا تخدم رؤيته للقدس كمدينةٍ مدوّلة متعددة الثقافات ومفتوحةٍ للجميع، أي أنّه يرفض تمويل المشاريع التي تهدف إلى الحفاظ على الهويّة العربيّة للقدس، ومن هذا المنطلق رفض الاتحاد تبنّي أيّ مشروعٍ من مشروعات احتفاليّة القدس عاصمة الثقافة العربيّة رغم أنّها تدخل في المجالات التي يُموّلها عادةً، وقد تحدّث مسؤول المنحة الإيطاليّة في القدس عن هذه السياسة صراحةً حين سأل وفداً من الفعاليّات المقدسيّة عن سبب إصرارهم على تعريب القدس قائلاً: " لماذا تُصرّون على إلباس القدس طاقيّة عربيّة؟".

ب. الولايات المتحدّة الأمريكيّة: تُعدّ الولايات المتحدة أحد أهم المانحين في مدينة القدس وإن كان حجم تمويلها للمشاريع أصغر من حجم التمويل الذي يُقدّمه الاتحاد الأوروبي، ويتركّز التمويل الأميركيّ على مشاريع الرعاية والمساعدة الاجتماعيّة البحتة كرعاية المكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصّة أو مراكز صعوبات التعلّم.

ج. الجهات العربيّة والإسلاميّة: ويُعدّ وجود هذه الجهات في القدس ضعيفاً حتى اليوم، ولا تبرز في هذا المجال سوى 3 جهاتٍ رئيسة، هي:

1. بنك التنمية الإسلاميّ: ويدير هذا البنك أموال صندوق القدس الذي أقرّته قمّة بيروت العربيّة عام 2002 ويبلغ حجمه 50 مليون دولارٍٍ أميركيّ، ويُركّز البنك جلّ اهتمامه على البلدة القديمة في القدس، وقد تبنّى مشروعاً لإعادة إعمار وترميم البلدة القديمة بكاملها بكلفةٍ تقريبيّة بلغت 15 مليون دولار، وذلك بالشراكة مع مؤسّستي الرفاه والتعاون، الذين أنجزتا مسحاً هندسيّاً كاملاً للبلدة القديمة، قسّمت على أساسه البلدة إلى قطاعات، وجزّئت مشروع الإعمار إلى 5 مراحل رئيسة، واليوم وصل هذا المشروع إلى بداية المرحلة الثالثة وبلغت قيمة ما أنجز من أعمال حوالي 10 ملايين دولار أميركيّ.

2. وكالة بيت مال القدس: وتتبع هذه الوكالة للجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلاميّ التي يرأسها الملك المغربيّ، ويبلغ حجم مشاريعها السنويّة حوالي 8 ملايين دولار أميركيّ، تتركّز في مجالات الإسكان والتعليم والصحّة ودعم المؤسسات، ومن أبرز مشاريع الوكالة صندوق الإقراض السكني الذي يبلغ حجمه حوالي 3 ملايين دولار.

3. تركيّا: تموّل تركيّا من خلال قنصليّتها في القدس عدداً من المشروعات في مختلف المجالات، وقد بدأت حديثاً تهتمّ بمشروعات الحفاظ على التراث العثمانيّ في مدينة القدس.

د. بلديّة الاحتلال في القدس: نتيجةً لغياب الدعم الخارجيّ العربيّ والإسلاميّ، وللضغط الاقتصاديّ الكبير الذي تتعرّض له القدس، استطاعت بلديّة الاحتلال أن تستدرج بعض الجمعيّات المقدسيّة إمّا عبر تمويلها مباشرةً أو عبر إعفائها من الضرائب والرسوم البلديّة، وبطبيعة الحال فإنّ الجمعيّات التي تتلقى دعماً من الاحتلال لا تُعلن عن نفسها، لكن هناك كلاماً كثيراً يدور في أوساط الجمعيّات المقدسيّة عن وجود جمعيّاتٍ كهذه خصوصاُ في المجالات الاجتماعيّة ومجال الاستشارات القانونيّة. إلاّ أنّ ظاهرة تلقّي الدعم من بلديّة الاحتلال بدأت في الآونة الأخيرة تنتشر بشكلٍ كبير بين المؤسّسات التي تُشرف على المدارس الخاصّة في القدس، رغم أنّ هذه المدارس تتقاضى أقساطاً عاليةً من طلاّبها.

وفي المرحلة الحاليّة فإنّ بلديّة الاحتلال لا تفرض على المدارس التي تتلقّى الدعم شروطاً تتعلّق بالمناهج أو المحتوى الدراسيّ أو طريقة التدريس، لكن من المتوقّع أن تلجأ لذلك في المستقبل بعد أن تُصبح هذه المدارس معتمدةً على معونتها بشكلٍ كبير.

الثلاثاء، 26 مايو 2009

لقاء مع سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري

لقاء مع سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري

المصدر موقع مدينة القدس


مقابلة حصرية مع سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري: خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا

كنت طفلاً أسكن بجوار المسجد الأقصى المبارك حينما استمعت له لأول مرة وهو يخطب بالمُصلين من على منبر الأقصى، وكان منذ البداية حاداً وعنيفاً ضد الاحتلال الصهيوني وأعوانه وسماسرة الأراضي.

شدّ إليه المُصلين... ورأوا فيه خطيباً وإماماً جديداً قريباً من نبض الشارع... ومُعبراً بصدق عن مشاعر المواطنين الفلسطينيين، وخاصة المُصلين منهم برحاب الأقصى الطاهرة.

ودفع ثمن مواقفه الصادقة والجريئة بملاحقة أجهزة الاحتلال من شرطة ومخابرات وأمن، والسجن وحظر السفر وما إلى ذلك... وفي كل مرة كانت تزداد صلابته وجرأته ومواقفه الحُرّة والوطنية الشجاعة من جهة، ومن رصيده الذي تعاظم بين المواطنين من جهة أخرى حتى بات المرجعية العلمية والدينية للجميع.

وبالإضافة إلى دوره الرائد في إنشاء مدارس رياض الأقصى الإسلامية والمدرسة الشرعية في الأقصى المبارك، فان له بصمات كبيرة وكبيرة جداً في معظم المؤسسات المقدسية العلمية والثقافية والاجتماعية والصحية والشبابية، فضلاً عن دوره البارز والهام في الهيئة الإسلامية العليا وهيئة علماء ودعاة فلسطين، والكثير من الهيئات والجمعيات، بالإضافة إلى مكانته الرفيعة في العديد من الهيئات والمؤسسات العربية والإسلامية والعالمية.

ولم يكتف شيخنا بدوره داخل القدس والوطن، بل سافر أصقاع الدنيا لشرح قضية وطنه ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، فكان عنواناً بارزاً لهذه الموضوعات، وكان محطّ اهتمام مختلف الوسائل والهيئات البحثية والعلمية والإعلامية كمرجعية هامة للقدس والأقصى المبارك.

ولم يكن بُداً في بدايات تأسيس السلطة الفلسطينية من وضع الشيخ الجليل في موقعه الذي يستحق كمفتٍ عام للقدس والديار الفلسطينية، ويُسجّل له تصميمه على جعل مقره كمفتٍ عام داخل المسجد الأقصى رغم اعتراضات سلطات الاحتلال ومواجهاتها معه فكان له ما أراد...لكنه دفع ثمن مواقفه الجريئة والصلبة وتم إبعاده عن موقعه كمفتٍ عام لفلسطين، ولكن... مكانته لم تتأثر ولم تثبط عزيمته أو همته؛ فزاد نشاطه وزادت جولاته وأبحاثه ودراساته وتعددت جوانبها حتى باتت تشمل الهمّ الفلسطيني بالقدس بعامة.

ولا يمكن لأي إعلامي أو صحفي أو باحث أو دارس لشؤون وأوضاع القدس أن يقف على حقيقة الأمور في المدينة دون الرجوع إلى أحد أبرز رجالاتها الإعتبارية وشيخها الجليل سماحة الشيخ الدكتور عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا.

وحينما التقيناه، سعد بنا وبالمؤسسة التي نذرت نفسها لخدمة القدس وقطاعاتها المختلفة وخاصة القضايا المتعلقة بالمسجد الأقصى وتثبيت صمود المواطنين المقدسيين فيها، وفتح، كعادته، صدره لنا مُجيباً عن استفساراتنا وأسئلتنا.



في ظل سياسة التهويد التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة وفي ظل الصمت العربي الرسمي والشعبي كيف يمكن لسماحتكم أ ن تقيم الوضع في مدينة القدس؟


الوضع العام في القدس هو الأخطر منذ سنوات الاحتلال الممتدة منذ سنوات طويلة، فسلطات الاحتلال تستغل حالة الانقسام الفلسطيني والوضع العربي والإسلامي المُتفرج والمتخاذل، والوضع الدولي المُنافق.

ومدينة القدس تتعرض اليوم للتهويد أكثر من أي وقت مضى، وتخضع لهجمة استيطانية صهيونية قد تغير معالمها تماماً في حال استمرار الأوضاع الحالية حتى عام 2020م.

كما بيّنت إجراءات الاحتلال الصهيوني الأخيرة تصاعداً غير مسبوق في عمليات تغيير الوقائع بالقدس، فرغم تزايد أعداد السكان الفلسطينيين بنسبة 400% منذ عام 1967، إلا أن نسبة سكان القدس من العرب اليوم لا تتجاوز 35%، والاحتلال يسعى لأن تصبح هذه النسبة 15% بحلول 2020م. فسلطات الاحتلال "الإسرائيلي" أخطرت منذ بداية العام الحالي مئات المواطنين الفلسطينيين في مدينة القدس بقرارات الهدم لمنازلهم، أما بلدية الاحتلال في القدس والتي يرأسها يميني متطرف، وبمعاونة الحكومة اليمينية الصهيونية المتطرفة بدأت مؤخراً في تنفيذ سلسلة من الإجراءات التي تهدف لتفريغ المدينة من سكانها الشرعيين من خلال أوامر الهدم الجماعي التي صدرت بحق سكان القدس وبخاصة سكان أحياء: البستان في بلدة سلوان، والشيخ جراح، والعباسية، وراس خميس، وجبل الزيتون وهي الأحياء التي تقع ضمن ما يسميه اليهود "الحوض المقدس"، والتي تشير إلى أن السلطات المحتلة ماضية وعازمة على تهويد مدينة القدس مستغلة بذلك الانقسام الفلسطيني، والأوضاع العامة في البلاد العربية، وإن إطلاق اسم مدينة داود على بلدة سلوان هو اعتداء على حقوقنا الشرعية، لأن إطلاق الاسم يعني أن بلدة سلوان تعود لليهود، مع التأكيد أننا كمسلمين نؤمن ونعتقد بأن سيدنا داود عليه السلام هو نبي، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم، أما اليهود فإنهم يعدونه ملكا فقط، وقد أساؤوا إليه كثيرا فهو بريء منهم أصلاً.

ومخططات الاحتلال العدوانية والعنصرية، تجري بوتيرة عالية بهدف تهويد مدينة القدس والسيطرة ووضع اليد على المسجد الأقصى المبارك.

أما الحفريات والأنفاق التي تشقها سلطات الاحتلال بالتعاون مع الجماعات اليهودية المتطرفة، فهي اعتداء المباشر على الأوقاف الإسلامية، لأن المناطق المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك هي أراضٍ وقفية، و هذه الحفريات أدت كذلك إلى تصدع وانهيار عدة بيوت ومدارس في البلدة القديمة وفي بلدة سلوان جنوب الأقصى فالأنفاق تجري أسفل بلدة سلوان باتجاه المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية، وهناك أنفاق أخرى من الجهة الغربية أسفل البلدة القديمة تسير باتجاه المسجد الأقصى المبارك أيضاً.

كما إننا نحذر من استمرار سلطات الاحتلال في مخططاتها لاستكمال فصل الجزء الشمالي من الضفة الغربية عن جزئها الجنوبي. من خلال نزع جيش الاحتلال مؤخراً ملكية 1100 دونم من الأراضي الفلسطينية في محيط مدينة القدس، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى عزل آلاف الفلسطينيين عن المدينة المقدسة ومحاصرتها فالمشروع الاستيطاني يدعو إلى القلق البالغ.



مع تعالي الأصوات المتطرفة المطالبة بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم ومع أن حفريات لم تعثر على أي حجر له علاقة بالتاريخ العبري اليهودي القديم فما حقيقة خُرافة الهيكل المزعوم وما يسمى بمدينة داود ؟..

إن هيكل سليمان (معبد سليمان) لا أثر له في مدينة القدس المحتلة، ولا دليل على وجوده، وأن الحفريات "الإسرائيلية" لم تعثر أصلاً على أي حجر له علاقة بالتاريخ العبري اليهودي القديم، واعترف بذلك خبراء يهود أنفسهم كما أن اليهود لا يستطيعون تحديد موقع هذا الهيكل المزعوم وهم مختلفون فيما بينهم على تحديد موقعه، أما سيدنا داود عليه السلام فإن القران الكريم لم يذكر أنه دخل مدينه القدس مع الإشارة إلى أننا كمسلمين نؤمن ونعتقد بأنه نبي في حين أن اليهود يعدونه ملكاً فقط وليس نبياً وهو قد تبرأ منهم بصريح القران الكريم.

أما بالنسبة إلى دخول سيدنا داود عليه السلام إلى فلسطين أو عدم دخوله فهذا أمر لا نستطيع أن نؤكد ولا أن ننفيه لأن القرآن الكريم لم يذكر ذلك".

ونحن اليوم نشعر بالرضا ونثمن التحرك الشعبي الفلسطيني في القدس وفي المناطق المحتلة عام 48 عند محاولة المتطرفين اليهود استغلال الاحتفال بما يسمى عيد الفصح العبري لاقتحام المسجد الأقصى المبارك ، ولكن الأخطار في حقيقتها أكبر من طاقات شعبنا، لذا لا بد أن تتحمل الأنظمة العربية والإسلامية مسؤولياتها تجاه القدس من أجل إنهاء الاحتلال عنها وخوض معركة العروبة والإسلام فيها لمواجهة معركة التهويد.

فأهل فلسطين يقومون ضمن إمكانياتهم وطاقاتهم بالدفاع عن القدس والأقصى ولكن هذا لا يوازي حجم الأخطار المحدقة بهم، أما على المستوى العربي والإسلامي فالمطلوب هو العمل على إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" وهذا واجب على كل عربي ومسلم ومن واجبهم أيضاً وضع ميزانية سنوية لمدينة القدس لا تقل عن خمسمائة مليون دولار سنوياً لتغطية المجالات الصحية والتعليمية والتربوية والثقافية والسياحية والسكنية والإسكانية وغيرها..

و من الطرق المشروعة للحفاظ على المسجد الأقصى مشروع البيارق ومشروع شدّ الرحال الذي تنظمه مؤسسة البيارق ومؤسسة الأقصى والحركة الإسلامية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948م، من خلال تسيير الحافلات إلى مدينة القدس وتنشيط الحركة التجارية في أسواقها.

من موقعكم كخطيب للمسجد الأقصى ما الإجراءات الواجب اتخاذها للحفاظ على مدينة القدس؟

الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني منح الاحتلال مزيداً من حرية الحركة للانقضاض على القدس والمقدسات والممتلكات،
ولكن أما آن لهذا الخلاف أن ينتهي؟
ألا توجد قواسم مشتركة تجمع الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه وأحزابه وفصائله؟
ولماذا لا نستفيد من تجارب الشعوب الأخرى، والتي مرت بمراحل أشدّ وأقسى من الأوضاع التي مرّ بها الشعب الفلسطيني واستطاعت هذه الشعوب أن تتجاوز خلافاتها؟.
وأنا اليوم أحض الشعب الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة وفي عموم الوطن والشتات والمهجر على ضرورة تحقيق وحدة الصف والموقف، والتمسك بالثوابت، ووضع إستراتيجية لمواجهة المؤامرات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتصفية قضية اللاجئين بشكل خاص، وأن تكون قراراتنا قرارات ذاتية مستقلة لا تخضع لأي ضغوطات دولية.
ونحن نحي ثبات وصمود شعبنا في غزة الصمود، غزة العزة، غزة الكرامة، كما أُثني على الجهود المباركة التي بذلتها الجاليات الفلسطينية والعربية في الشتات وفي المهجر بإحياء القضية الفلسطينية في نفوس وعقول أبنائهم وأحفادهم والأجيال الصاعدة، وللتبرعات والمساعدات التي تقدمها للشعب المرابط في أرض فلسطين.


في ظل استمرار الاعتداءات والحملات على الإسلام ورموزه ماذا تقولون للذين يقومون بالإساءة إلى الأديان تحت ستار حرية التعبير ؟

نحن نحذر من استمرار الحملات العالمية المناهضة للدين الإسلامي في بعض الدول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلة مبادئ حرية التعبير والرأي مما يؤدي إلى ردود فعل غاضبة وبث الكراهية للمسلمين وامتهان مشاعرهم في هذه البلدان .
والقرار الذي أصدره مجلس تابع إلى الأمم المتحدة مؤخراً بشأن إدانة الإساءة إلى الأديان بوصفه انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان ليس كافياً كونه غير مُلزم ولا يرقى إلى المستوى المطلوب لمعاقبة الذين يقومون بالتحريض ضد المعتقدات والمذاهب الدينية .

كما أن العام الحالي شهد ارتفاعاً ملحوظاً في التصريحات المناهضة للإسلام والمسيئة إلى شخص الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وذلك عن طريق عدد من النواب البرلمانيين والباحثين والرسامين الأوروبيين والأمريكيين مع الإشارة إلى أن التاريخ الإسلامي المشرف كان حافلاً بالمواقف والأحداث الداعمة للتسامح والمحبة بين أصحاب الديانات الأخرى، ومن أبرزها العهدة العمرية التي رسّخت التعايش الإسلامي والمسيحي في بيت المقدس.


أطلقت فعاليات الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية رغم كل محولات الاحتلال لتضيق على المواطنين ومنعهم من ذلك ما هي رسالتكم للمحتفلين بهذه المناسبة؟


القدس تستحق أن تكون عاصمة للثقافة العربية للأبد، وليس لعام واحد فقط"، و أهالي القدس تفاعلوا مع هذا الحدث رغم التضييفات الصهيونية.
ولكن تراث القدس ليس دبكة شعبية تقام في احتفال بل نحن بحاجة للتركيز على التاريخ الثقافي والحضاري والعلمي للقدس، التي سكنها كبار علماء الأمة وألفوا عددا من أهم المؤلفات فيها، لاسيما الغزالي وابن قيم الجوزية وابن تيمية والعز بن عبد السلام وغيرهم كثير.



في ظل المضايقات من سلطات الاحتلال ما هي أهم الأعمال التي قامت بها الهيئة الإسلامية العليا مؤخراً في القدس؟

نحن نتعرض للمضايقات متعددة ومتواصلة من سلطات الاحتلال ، وهذه ضريبة الرباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ومن واجبات الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، وهيئة العلماء والدعاة في بيت المقدس فلسطين متابعة ما يحصل تجاه المسجد الأقصى المبارك والأوقاف بخاصة، ومدينة القدس بعامة رغم كل المضايقات.
و الهيئة الإسلامية العليا قامت مؤخراً تشكيل لجنة البيوت والأملاك من رجال الإصلاح والمحامين المختصين من أجل حماية البيوت والأملاك بشكل عام في مدينة القدس، كما تم عقد عدة اجتماعات عامة للمؤسسات المقدسية وللشخصيات الاعتبارية لبحث الأوضاع العامة التي تتعلق ببلادنا المباركة المقدسية، بالإضافة إلى عقد عدة مؤتمرات صحفية لهذه الغاية وإصدار العديد من البيانات عنهما.

يبوس لا تستصرخي أحداً



لماذا أنا دون عن الجميع؟!

لماذا؟!


تتساقط الحروف من بين أصابعي لتبوح بما يملؤني من آلامٍ لتصرخ علّها توصل صوتها إلى تلك البقعة من الكون التي تسكن داخلي فيرتدّ صداها يحمل من طهر الجبال التي ارتدّ عنها ومن قدسية الوديان والسهول والأنهار التي مرّ فوقها ليرتطم بوجهي فيلقي عليه شيئاً من قدسيتها.

نعم إنّها هي أرض الطهر والقداسة أرض امتزج ترابها بأجساد الأنبياء والرسل ونمت أشجارها على قبور القديسين.. أرض سارت أنهارها في بقعة من الجنة... إنّها سر شباب الكون الدائم ومنبع كلّ جميل في هذا الكون.. إنها أرض المحشر والمنشر مسرى النبي الكريم وطريق آلام يسوع المسيح.. هي أرض القدسيّة منذ الخلق وإلى آخر الدنيا. إليها تهفو العيون وترنو القلوب للصلاة بين أعمدة الكنائس وأروقة المساجد التي تتحدّث كلها عن عظمة من عبد وروعة المعبود.

"يبوس" هو أول الأسماء وأجملها، هو اسمها العربي الأول قبل أنْ يعرف أيّ عبري طريقه إليها... قبل أنْ يولد أحد منهم.

"يبوس" وُلِدت يوم الخلق لتحمل آلام الأرض لتحمِل على كاهليها أكثر الناس بغضاً شراذم من مختلف العروق يدّعون الانتماء إلى قومية اختلقوها ونسوا أو تناسوا ما فعلت هذه الأرض عندما حاول من يدّعون بأنّهم أجدادهم "قتلة الأنبياء والرسل" أنْ يدنّسوها تناسوا كيف أنهم سحبوا بالسلاسل كالبعير حفاة عراة عندما حاولوا مسّ خصلة شعر من خصال شعرها.

اليوم في "يبوس" الكثير الكثير ممن يحاولون قصّ شعرها وهتك عرضها ولكنْ هل خبت جذوة قدسيتها أم أنّها أمست بعد كلّ هذه السنين غير قادرة على طرد أولائك الغرباء.

يبوس اليوم تهوّد والآلاف من أهلها قد شرّدوا وهي تصيح لماذا أنا؟!

تستصرخ القاصي والداني.. تنادي أبناء جلدتها العرب.. تستنجد أتباع المسيح وتذكّرهم بطريق آلامه.. تناجي المسلمين وترسم صورة حائط البراق الذي أمسى محجّاً ليهوديّ قادم من روسيا لا يعرف اليهودية ولا يجيد العبرية.

فأين أنتم جميعاً يا من تدّعون ليبوس النسب والقربى؟!!

يبوس لا تستصرخي فالمسلمون نسوا مسرى نبيهم، فهم اليوم بعيدون عنك مسافة لا يفرض معها عليهم الجهاد.

يبوس لا تستصرخي فالمسيحيون نسوا جبل الزيتون حيث قضى يسوع ليلته الأخيرة وأُشغِلوا بانتظار عودته.

يبوس لا تستصرخي أحداً.

يبوس لا تستصرخي أحداً.