الله أكبر ولله الحمد

هذه المدونة تعبر عن رأي محررها فقط

الله أكبر ولله الحمد

الأحد، 7 يونيو 2009

الروس غرباء في «أرض الميعاد»


ولادة أي أمة تكون عسيرةً وشاقة، حتى عندما تتوفر لها كل مقومات انبعاث الأمة من لغة وتاريخ مشترك ودين وعرق، وثقافة. فهذه عملية تراكمية وبكل تأكيد طويلة الأمد.

وإن كان هذا ما عليه الأمور عند الأمة التي يجمع بين أبنائها وشائج الربط التي تؤهلهم لبلورة ذات الذاكرة والوعي الجمعي، فكيف ستكون عليه الأمور مع ما قامت به الحركة الصهيونية من محاولة تحويل التجمعات الإثنية اليهودية إلى أمة بالرغم من أن هذه التجمعات تفتقد باستثناء الدين، إلى كل وشائج الربط التي تبنى عليها "الأمة"، من لغة وتاريخ مشترك وعرق وثقافة واحدة.

لذلك فإن المؤرخ الإسرائيلي "مولي بيلغ" يشير إلى أن الحركة الصهيونية أدركت منذ البداية أن مهمتها صعبة، فعمدت إلى "ابتكار" وسائل وأدوات عدة من أجل إيجاد اللحمة بين الطوائف الإثنية المتباينة في المجتمع الإسرائيلي وذلك عن طريق اختراع الأساطير والطقوس الاحتفالية والأعياد مروراً بإحياء اللغة العبرية، وانتهاءً بشن الحروب على "الأعداء" في محاولة لطمس وتبهيت الفرقة والاختلاف داخل الفئات الإثنية، بهدف توحيدها في كيان واحد ذي هوية متميزة وشعور بالانتماء لدى جميع أعضائه للمعاير والقيم التي تشكل أسس هذا الكيان. "مولي بيلغ"، " مختلفون ومعادون …..نشوى العقلية القبلية في إسرائيل"، قضايا إسرائيلية، السنة الرابعة ،العدد 16، 2004

ومن المعروف أن المهاجرين الروس يشكلون أكبر قطاع إثني في الدولة العبرية، فهؤلاء وحدهم يشكلون سدس عدد السكان في الدولة.

ومع هذا الثقل الديموغرافي الكبير، وعلى الرغم من أنه قد مضى ما يقارب العقدين على هجرة معظم اليهود الروس إلى إسرائيل، إلا أن أغلبيتهم الساحقة لا تزال تتداول اللغة الروسية، بل إن معظم هؤلاء لا يجيدون اللغة العبرية، من هنا كان التنافر بين هؤلاء وبين المجتمع الإسرائيلي حاداً وقاطعاً.

فالروس، وبخلاف اليهود الشرقيين، لم يحاولوا منذ البداية الاندماج في المجتمع الجديد، واختاروا العيش في "غيتو" طوعي خاص بهم، لضمان تمتعهم بخصوصياتهم الثقافية.

والهجرة الروسية قلبت الحالة "الإسرائيلية" رأساً على عقب، وعلى الرغم من أنه كان من المفترض أن يشكل المهاجرون الروس إضافة جديدة لضمان تفوق الإشكناز في الدولة العبرية، وتعزيز المضامين الغربية للهوية الإسرائيلية، إلا أنهم فضلوا البقاء على مسافات، وإن كانت متفاوتة، من مختلف القطاعات الإثنية الأخرى.

لذا فقد خيبت موجهات الهجرة الروسية آمال نخبة المركز الاشكنازي في إمكانية خلق توازن ديموغرافي يعيد كفة الميزان للرجوع باتجاه الغرب.

كما إن المهاجرين الروس لم يسارعوا إلى "التأسرل" بل فضلوا البقاء في حالة من الحكم الذاتي بكل ما يتعلق بذلك من التمسك بلغتهم وإقامة معالمهم الاجتماعية والسياسية والثقافية.

ويقول الباحث هشام نفاع إن هذه الهجرة أدت عملياً إلى نشوء مجتمع داخل مجتمع؛ فهناك حالة ثقافية روسية كاملة تتجلى بعملية داخلية ذات حدود ومعالم: حزب روسي، مسارح روسية، صحف روسية، وعناد روسي على استعمال اللغة الروسية بإصرار.

والذي يتجول في ما يسمى مدن "التطوير" التي تقع في أطراف الدولة العبرية، أو في الأحياء الشعبية في المدن الكبرى، لا بدَّ أن يرى محال ومتاجر روسية؛ فيها الطعام روسي، والموسيقى روسية والأجواء أيضاً.

جاء الروس إلى الدولة العبرية بحثاً عما قيل لهم إنها «أرض الميعاد»، أرض "العسل واللبن" ولكنهم اكتشفوا أنهم وصلوا – وحسب رأيهم - إلى دولة صغيرة، تفتقر إلى الأهمية، مرفوضة من محيطها، فيها مساجد وطقسها حار، ومسرحها في كل الجوانب الحياتية بائس.

بحثوا عن أرض الميعاد، فوجدوا المقاهي في شارع شينكين في تل أبيب، ولذلك فاليوم يجتاح الروس شعور شديد بـالندم ورغم ذلك فإنهم يشعرون أيضاً بالتفوّق على بقية الإسرائيليين.

وحول خيبة أمل اليهود الروس من الهجرة لإسرائيل، يقول الكاتب اليهودي الروسي أركان كاريف " لقد نجح مندوبو الوكالة اليهودية في نهاية الثمانينيات بالكذب إلى حد التهور من خلال إطلاق الوعود لليهود الروس بأنهم سيحصلون على جبال من الذهب، إلا أن تطور وسائل الاتصال فضح أكاذيب الوكالة وأصبحت الأمور واضحة لكل الناس".

ويضيف كاريف "إن قادة إسرائيل يؤكدون على أنه يجب أن تكون القوة الأساسية المحركة لهجرة اليهود لإسرائيل هي القيم العليا لليهود". لكنه يتساءل "إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يهاجر يهود أمريكا إلى إسرائيل بأعداد كبيرة، مع أنهم يختلفون عن يهود الإتحاد السوفيتي السابق من حيث تمتعهم عبر السنين بالمؤسسات والهيئات الاجتماعية الخاصة بهم بالإضافة إلى أنهم يتمسكون بالجذور اليهودية بشكل دقيق؟".

ويجيب كاريف نفسه قائلاً " إنهم لا يأتون لإسرائيل لأن أوضاعهم في أمريكا جيدة وبالتالي فإن من يأتون إلى إسرائيل هم فقط أولئك الذين لا يجدون مكاناً آخر يذهبون إليه وهذا ما يحصل دائماً". أركان كاريف، "خيبة أمل"، صحيفة فيستي 25/11/2001

واليوم ينتشر الروس في كل مكان من إسرائيل حيث بدأ حضورهم يتجلّى، قبل السياسة، في الشوارع والمقاهي والمتاجر ، لغتهم ثقيلة، غالبيتهم يقرؤون كثيراً ويتحدثون قليلاً، سحنتهم بيضاء فاتحة، مستقلون في كل شيء، إلا أنَّ هذا الحضور لم يجعل منهم حتى الآن جزءاً من المجتمع الإسرائيلي، بل هم شق من الشقوق في إسرائيل، وصل عددهم إلى أكثر من مليون روسي في إسرائيل، لكنَّهم لم ينخرطوا في المجتمع، ولم يناضلوا من أجل الانخراط، بنوا مجتمعاً خاصاً بهم، يرونه أرقى من المجتمع الإسرائيلي العادي حتى إن الأبحاث الصادرة عنهم تشير إلى استعلاء على الثقافة الإسرائيلية .

رفع الروس منسوب كل شيء في إسرائيل: الثقافة ازدادت، والتكنولوجيا ازدهرت، والطب تقدم، وإلى جانب هذا، الإجرام ازداد، وبيوت الدعارة انتشرت، وعدم الأمان أيضاً، و حتى تعابير المافيا دخلت إلى المجتمع الإسرائيلي.

الروس في إسرائيل يؤمنون بأنهم يحملون ثقافة تجمعهم، الطعام والكتب والصحافة إنهم إسرائيليون بالجنسية فقط فهم مستقلون في أبسط الأشياء، لهم مقاهيهم وموسيقاهم ومتاجرهم الخاصة، ولا مشكلة لديهم في تمييزهم عن غيرهم وحتى أن لغتهم الروسية مهما كانوا ملمين بالعبرية تطغى على أبسط الكلمات واليوم صار يلمح المار في مراكز المدن الكبرى، لافتات بالروسية فقط.

ويرى عالم الاجتماع الإسرائيلي دان أوريان أن جنوح المهاجرين الروس نحو التمايز عن جميع الفئات الإثنية ورفضهم الاندماج هو نتاج حالة الاستقطاب الإثني، التي هي في الأساس نتاج رؤى مختلفة ومصالح متناقضة للمجموعات التي تخوض فيما بينها صراعاً مكشوفاً، أو مستتراً نتيجة لعلاقاتها الاجتماعية والطبقية، دان أوريان، "المسرح الإٍسرائيلي والمشكلة الطائفية"، قضايا إسرائيلية، السنة السادسة، العدد21 ،2006.

في بداية التسعينيات ومع انهيار الاتحاد السوفيتي سعت الوكالة اليهودية إلى تشجيع اليهود على الهجرة إلى إسرائيل.

وروى شاب فلسطيني، درس في الاتحاد السوفيتي، أنَّ إسرائيل كانت تعرض دعايات تجارية، مغرية ووردية، هي أقرب إلى الخيال من الواقع.

فقد كان الإسرائيليون يشددون على ما ينقص الروس في روسيا، على المطاعم، والشمس المشرقة والشواطئ الجميلة.

هذه الدعايات التجارية، إضافة إلى مخططات ثانية، استطاعت أنْ تجلب الكثيرين إلى إسرائيل لكن الدولة العبرية، لم تتوقع أنَّ نسبة كبيرة منهم ستكون من غير اليهود.

و يشير كتاب البروفيسور ماجد الحاج من جامعة حيفا، «الهجرة والتكوين الإثني لدى اليهود الروس في إسرائيل»، إلى أنّ المجموعة الروسية في إسرائيل باتت تؤلف أكبر جالية روسية في العالم، نظراً لمحافظتها على ثقافتها ولغتها الأم، مُنهية بذلك عهد القطبيْن الاجتماعييْن داخل إسرائيل: اليهود الغربيين «الاشكناز» واليهود الشرقيين «السفراديم»، بعدما أضافت قطباً ثالثاً يُعدّ الأكثر تماسكاً وتبلوراً بثقافته.
إلا أنّ 50 في المائة من المهاجرين الروس، الذين قدموا إلى الدولة العبرية منذ عام 2000، هم من غير اليهود.

ويُظهر البحث أنّ ما يزيد على 30 في المائة من المهاجرين الروس هم من المسيحيين والمسلمين، وهذا يكشف حقيقة ضعف الهجرة اليوم من روسيا إلى إسرائيل إلى حدّ التوقف، حيث تراجعت السلطات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة عن عمليات استقدام المهاجرين، بعدما صارت تخشى على "الهوية اليهودية لإسرائيل"، جراء قدوم «غير اليهود».

وفي حديثه عن الأضرار التي سببتها الهجرات الروسية لإسرائيل، يقول الكاتب فيكتور بولوسكي "إن الهجرة الأخيرة جلبت معها نسبة 25% على الأقل من غير اليهود مع العلم أن عدد هذه الهجرة بلغ سبعمائة ألف مهاجر".

ويضيف "إن للقادمين الجدد علاقة عاطفية قوية مع الدول التي قدموا منها أقوى من علاقتهم مع إسرائيل". ويتوقع أن يشكل هؤلاء مع مرور الوقت "لوبي" روسي يشكل خطراً على إسرائيل. فيكتور بولوسكي، "أضرار للهجرة"، حدشوت 1/1/1997

واللافت للنظر أن الفئات التي تنأى عن الثقافة العبرية الإسرائيلية، هي في الغالب ذات توجهات يمينية ونزعة شوفينية، خصوصاً الروس والشرقيين، وبالتالي لا يمكن اتهام هذه الفئات بالتقصير في تحقيق أهداف الحركة الصهيونية، فإن عجز هذه الثقافة على استيعاب ثقافات معظم اليهود الذين هاجروا للدولة، إنما يدحض مزاعم الصهاينة بأن هناك " قومية يهودية"، وهي المزاعم التي على أساسها تدعي الحركة الصهيونية أن لها الحق في إقامة "وطن قومي لليهود".

هذه الحقيقة استوعبها العديد من كبار الباحثين في الدولة العبرية، فأستاذ علم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيلمبرغ يعتبر أن تعدد الثقافات الإثنية لا يمثل تعددية ثقافية، بقدر ما يعني زيف ادعاء الحركة الصهيونية بوجود شيء اسمه " قومية يهودية.

مهند محمد عمر عمر

هناك تعليقان (2):

  1. بصراحة مدونة رائعه ومواضيع احلى

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تسر رابطة هويتى إسلامية أن تدعوك للمشاركة فى قص شريط إفتتاح أحد أكبر وأهم مشروعاتها وهو مدونة " إحنا شباب النهارده " من خلال تاج هدية من الرابطة .
    نتمنى قبول التاج ونشر إجابته بمدونتك مشاركة منك فى افتتاح المدونة
    نرجو زيارة المدونة للحصول على أسئلة التاج والإطلاع على كافة التفاصيل حول فكرة المدونة
    مع خالص تحيات
    أسرة رابطة هويتى إسلامية
    فريق عمل إحنا شباب النهارده

    ردحذف